صـورة القريـة الجديـدة فى بلدنـا

صـورة القريـة الجديـدة فى بلدنـا2019-12-17T08:18:18+00:00

صـورة القريـة الجديـدة فى بلدنـا

الأهرام 9/8/1960

مازالت مشكلة التخطيط والإسكان فى الريف تعالج فى حدود الدائرة الضيقة التى تعيش فيها القرية دون الوصول إلى الجذور الحقيقية للمشكلة .. إلى شخص الفلاح والأرض التى يعمل عليها .
لقد حاولت فى بحث قمت به فى تخطيط القرى أن أعالج مشكلة التخطيط والإسكان فى النطاق الداخلى الذى تعيشه القرية منعزلة عما حولها ، وتطرق البحث بالطبع إلى التخطيط الإجتماعى والطبيعى للقرية ثم إلى مشكلة الإسكان وبناء القرية ثم إلى تصميم المنزل الريفى مع الإعتبارات الإقتصادية والإجتماعية المحيطة به ، وخرجت من ذلك كله بنتيجة واحدة وهى أن تخطيط القرية فى حد ذاته أو بناء قرية الإمتداد أو قرية الإنتقال لم يعد أساس المشكلة كما أن تصميم المنزل الريفى الذى يتناسب مع إمكانيات الفلاح وإختيار مواد بنائه وتوزيع عناصره المختلفة وحساب تكاليفه لم يعد أساساً لمشكلة الإسكان الريفى .. كما لم تعد ” الزريبة ” وحطب الوقود مشكلة المشاكل ..
وأنتهى البحث إلى نتيجة سلبية لأنه لم يبن على الأساس الأول للمشكلة وهو التخطيط الإقتصادى للريف .. ومن هنا كانت البداية لبحث آخر لمحاولة الوصول إلى النتيجة الإيجابية ، فالمشكلة الاقتصادية هى بلا شك المشكلة الأولى التى يواجهها المجتمع الريفى وذلك بعد مشكلته الكبرى وهى ضغط السكان على الأرض الزراعية ولو أن كلا منهما مرتبط إرتباطاً وثيقاً بالآخر .

ونحن نعلم أن التخطيط يبنى على أسس ثلاثة : العمل – الناس – المكان ، فالأرض الزراعية هى مكان العمل ومورد الرزق والحياة للفلاح وعلى صفحة هذه البيئة تنعكس حياة الناس من الفلاحين وتتشكل طبائعهم وتقاليدهم وثقافتهم ، وكل ذلك تظهر صورته على المكان الذى يحيا فيه الفلاح .. على القرية التى يعيش فيها والمنزل الذى يسكنه .

وإننا إذا بدأنا بالتخطيط الإقتصادى للريف كأساس للمشكلة نجد أن زيادة الإنتاج الزراعى فى الإتجاهين الأفقى والرأسى يجب أن يصحبه تقسيم للتكوين الزراعى ، وقد وجد من الأبحاث المختلفة أن الأرض الزراعية التى مساحاتها خمسة افدنة تقل أقصى إنتاجها إذا عمل عليها خمسة عمال زراعيين ( فى الإقليم الجنوبى ) وقد كان لهذه الارقام ولغيرها من النتائج الإقتصادية والزراعية أثر كبير فى وجوب تقسيم الزراعة إلى ثلاثة انواع حتى تعطى أقصى طاقتها الإنتاجية ، النوع الأول : مزارع تعاونية تضم الملكيات الزراعية التى تقل عن خمسة أفدنة سواء أكانت مفتتة أو غير مفتتة ، النوع الثانى : مزارع عائلية تضم الملكيات الزراعية التى تتراوح بين خمسة أفدنة وعشرين فدانا وذلك بعد تجميع المفتت منها ، والنوع الثالث : مزارع كبيرة وهى ماتضم أكثر من عشرين فداناً يعمل عليها عمال زراعيون .

ولما كان للتكوين الإقتصادى أثره الواضح على التكوين الإجتماعى فإن التقسيم الزراعى السالف الذكر سوف يؤثر بدوره على التكوين الإجتماعى للريف ، الذى سوف يؤثر هو الاخر بدوره على التكوين الطبيعى للقرية ، ومن هنا يبدأ دور التخطيط الجديد للقرية ، فالتقسيمات الزاعية الثلاثة سوف تخلق لنا ثلاثة أنواع من التجمعات السكنية لكل مستلزماته الحيوية ومساكنه الخاصة التى تلائم نوع المجتمع الزراعى الجديد- المجتمع الديمقراطى الإشتراكى التعاونى الذى تخلقه هذه التقسيمات ، من هنا يبدأ دور الإسكان وتصميم المسكن الريفى .

وبعد البحث فى تجمعات القرى المختلفة وعلاقاتها بالإقليم الذى تقع فيه ثم إلى التوزيع الإجتماعى الجديد بالنسبة للتقسيمات الزراعية المختلفة وجدنا لدينا ثلاثة أنواع من التجمعات الريفية ، أصغرها العزبة التى يقل عدد سكانها عن 500 نسمة ثم القرى التى يتراوح تعدادها بين 500 ، 5,000 نسمة ثم مايجدر أن نسميه بالمدينة القروية والتى يتراوح تعدادها بين 5,000 ، 10,000 نسمة وهى التى تتجمع فيها مراكز الخدمات العامة كالوحدة المجمعة والمدارس الإبتدائية والمراكز الصحية والإدارية والسوق الكبيرة للمنطقة والمدينة القروية فى وضعها الحالى تكون المركز الذى تدور حوله التجمعات القروية الأخرى أى القرى الصغيرة والعزب وهذه ينتظر أن يزيد عددها نتيجة لدراسة العلاقة بين مكان العمل ومكان السكن للفلاح ، وسوف تساعد هذه الظاهرة على تخلخل القرى الكبيرة وإيجاد متنفس لحياة سكانها ، وهكذا يصبح لدينا مراكز تخطيط ريفية مركزها المدينة القروية وتضم مجموعة من القرى والعزب يبلغ تعداد سكانها حوالى 15,000 نسمة وتذوب فى حدودها الجديدة حدود القرى الحالية وزماماتها .

وإذا كان من الواجب الإحتفاظ بكل شبر من الأراضى الزراعية فإن التقسيم الإقليمى الجديد لن يقتطع من الأرض الزراعية .. فالزيادة فى عدد  العزب سوف يصحبها تخلخل فى الكيان الطبيعى للقرية يستغل كحدائق مثمرة .. ذلك زيادة على أنه قد وجد من سياق البحث أن القرية الحالية تضم مساحات سكنية أكثر من إحتياجات سكانها وأن المشكلة فى القرية ليست مشكلة التزاحم بقدر ماهى سوء الحالة السكنية للفلاح .

وعلى هذه الأسس العميقة نستيطع أن نرسم خطة الإسكان الريفى على ضوء الصورة التى يحددها المجتمع الديمقراطى الإشتراكى التعاونى والذى يؤمن بإشراك الشعب فى حل أموره بنفسه كأساس لنجاح أى مشروع يمس حياته ومستقبله وهكذا تصبح مشكلة التخطيط والإسكان فى القرية ومن ثم نوع المسكن الريفى ومستلزماته ومواد وطريقة بنائه وتكاليفه ومصدر تمويله بعد ذلك مسألة تفاصيل فى نطاق الإطار الجديد للمجتمع ، ولدينا فى بلاد أمريكا اللاتينية والهند وباكستان وبلاد جنوب شرق آسيا والصين وغيرها من بلاد العالم أمثلة عديدة للبحث والتطبيق .

word
pdf