كيف تبنـى وحـدات التنظيـم الشعبـى فى القريـة والمدينـة

كيف تبنـى وحـدات التنظيـم الشعبـى فى القريـة والمدينـة2019-12-17T09:01:11+00:00

كيف تبنـى وحـدات التنظيـم الشعبـى فى القريـة والمدينـة

 

الأهرام 20/9/1962

إن بناء التنظيم الشعبى يجب أن يتم فى تفاعل مع خطوط وأهداف التخطيط الإقتصادى والإجتماعى فى بلادانا حتى يرتبط العمل الشعبى بعملية الإنتاج ربطاً عضوياً فعالاً ولكن كيف السبيل إلى ذلك ؟
إن الدكتور عبد الباقى إبراهيم مدرس التخطيط بكلية الهندسة بجامعة عين شمس يعطى اليوم إجابة على هذا السؤال من وجهة نظره .
فى الوقت الذى تدخل فيه بلادنا مرحلة جديدة من مراحل تطورها على ضوء الخطوط الرئيسية ونبراس العمل الذى رسمه الميثاق الوطنى ، تتضافر جميع القوى لوضع التنظيم السياسى للدولة موضع التنفيذ ، فالأمة وقد مارست الإشتراكية التى تأصلت جذورها وأصبحت جزءاً من حياة المجتمع بعد صدور قوانين يوليه عام 1961 تدخل الآن مرحلة أخرى تطبق فيها أصول الديمقراطية السليمة عن طريق التنظيمات الشعبية ، والتنظيمات الشعبية تستمد قوتها من إيمانها بالأهداف التى رسمها الميثاق الوطنى كسبيل للعمل ثم الدفع بكل الطاقات لتوفير مقومات الحياة الكريمة للشعب …
وهذا هو المفهوم الجديد للعمل السياسى ، ولذلك يرتبط التنظيم السياسى للشعب إرتباطاً وثيقاً بالتنظيم الإقتصادى والإجتماعى للدولة والذى تحدده فى سياستها التعاونية .
والتنظيمات الشعبية فى ممارستها للعمل السياسى بمفهومه الجديد تعمل فى نطاق حدودها المحلية من ناحية وفى نفس الوقت تساهم فى رسم السياسة العامة متدرجة من مستوى القرية إلى مستوى المحافظة حتى مستوى الدولة ، فالمنظمة الشعبية التى تعمل فى نطاق حدودها المحلية يتجمع نشاطها حول أهداف وخدمات ومصالح مشتركة ، سواء فى توفير الخدمات العامة أو فى النظام الإقتصادى والإجتماعى للجماعة التى تمثلها هذه المنظمة ، فطبيعة هذه المصالح وهذه الخدمات تختلف فى توزيعها فى الريف عنها فى المدن ، ولما كان لكل من القرية والمدينة كيانها الإقتصادى والإجتماعى المميز فإن تقسيم المنظمات الشعبية وتكوينها يختلف ا فى كل منهما وعلى هذا الأساس تختلف الأسس التى يبنى عليها التقسيم الطبيعى لوحدات التنظيمات الشعبية فى كل من المدينة والقرية .

وحدة التنظيم الشعبى فى القرية
لقد عملت الدولة على مد الريف بمختلف الخدمات العامة ووزعت فيه الوحدات المجمعة التى تخدم كل منها حوالى 15000 نسمة كما تعمل الدولة على خلق الوعى التعاونى بين الفلاحين فى سبيل زيادة الإنتاج وإعادة بناء الريف على أساس جديد ، ففى سبيل زيادة الإنتاج الزراعى إلى حوالى 25% لابد من العمل على تجميع الملكيات الصغيرة فى مزارع تعاونية تحترم فيها الملكية الخاصة حيث يساهم الفلاح بملكيته الصغيرة فى رأس مال الوحدة التعاونية ، كما يتضح من الأبحاث المختلفة يستلزم تقسيم الريف إلى وحدات تخطيطية تضم كل  منها 15000 نسمة تشترك فى الخدمات وتعمل متعاونة على تطبيق التنظيم الإقتصادى الذى يهدف إلى زيادة الإنتاج وبناء الريف على أساس من المساعدة الشخصية الموجهة وإقامة الوحدات والمراكز الصناعية ، وفى حدود الوحدة التخطيطية تذوب حدود القرى والعزب المكونة لها لتصبح مجموعة متحركة يدور نشاطها حول مركز الخدمات فى القرية كمركز للوحدة التخطيطية .

 وعلى أساس الأهداف والخدمات والمصالح المشتركة التى يتجمع حولها سكان الوحدة التخطيطية يبنى التنظيم الشعبى لتصبح الوحدة التخطيطية وحدة فى التنظيم الشعبى .
وبهذه الصورة تقل مركز التنظيمات الشعبية فى الريف من 4000 قرية إلى حوالى 1000 وحدة شعبية ، وهكذا  تخرج القرية عن إنطوائتها التى إستمرت آلاف السنين مع زميلاتها وتشترك فى الخدمات وتعمل متعاونة فى سبيل هدف مشترك ، ويقع بعد ذلك الشعور بالوطنية ويخرج عن مجال القرية كخلية مقفلة ، وهكذا يشهد الريف تغييراً جذرياً فى كيانه الإقتصادى  والإجتماعى والطبيعى على التوالى ، وتتغير صورة القرية التى عاشت آلاف السنين ويتضافر سكانها فى إعادة بنائها من جديد ، وهكذا نرى كيف يساند التنظيم الإقتصادى والإجتماعى التنظيم الشعبى والسياسى كأساس سليم لنظام الحكم المحلى ، وهكذا يصبح الهدف السياسى فى القرية هو العمل على تضافر الجهود لتطبيق النظم المختلفة لإنعاش الريف كما فى تطبيق نظام الدورات الزراعية وتجميع زراعات المحاصيل المختلفة ودرء أخطاء الآفات الزراعية ، كما يتعاون الجميع فى إعادة بناء وتنظيم القرية على أساس المعونة الفنية التى تقدمها الدولة، ثم التعاون كذلك فى إزالة الخلافات والنعرات القبلية حتى يصبح  المجتمع الريفى متعاوناً فى العمل كما هو مترابط فى الحياة.

وحدة التنظيم الشعبى فى المدينة
والمدينة فى هذا المجال تختلف عن القرية فى تكوينها الطبيعى والإقتصادى والإجتماعى الذى يبنى على أساسه التنظيم الشعبى وذلك فى وحدات يدور نشاط سكانها حول أهداف وخدمات ومصالح مشتركة فالقسم بإعتباره أساساً للتنظيم الشعبى مازال تنقصه ظاهرة الترابط الإجتماعى الذى يدور حول مركز تتقابل وتجتمع فيه الجماهير أو فى مراكز للخدمات الثقافية أو الإدارية أو التجارية أو الصحية الأمر الذى يتعذر معه الإتصال المباشر بالقاعدة الشعبية وتقل فعالية التنظيم الشعبى ، فالروابط الإجتماعية فى هذه الأقسام لم تستكمل قوتها بعد اللهم إلا فى الأحياء القديمة حيث كان للتاريخ دوره فى رسم تكوينها الطبيعى والإجتماعى ، وكذلك فإن الأقسام أو الأحياء فى المدينة المصرية لا يزال ينقصها عامل الإكتفاء الذاتى فى خدماتها الإجتماعية والتعاونية والإدارية والتجارية ، وبمعنى آخر فى الأهداف والمصالح المشتركة التى يلتف حولها المجتمع ، وكلما زاد حجم القسم زادت حاجته إلى تقسيمات أصغر لكل منها مركز لتجمع سكانه ونشاطهم المشترك والتنظيم الشعبى فى المدينة يجب أن يسبقه تخطيط عام يضمن خلق الروابط الإجتماعية بين سكان أقسامها المختلفة ويتحدد على أساس العلاقة بين المسكن وكل من مكان العمل والمدرسة والمركز الإجتماعى وذلك حتى يسهل الإتصال بالقاعدة الشعبية والتعرف على مشاكلها وتحقيق آمانيها وآمالها ، وهكذا تتوفر ظروف العمل الجماعى فى طريق التنمية والتطور . ويتراوح حجم التقسيمات الصغيرة بين 15000 ، 20000 نسمة وهو مايعادل ثلاث من الخلايا السكنية ، وتتجمع بعد ذلك هذه التقسيمات الصغيرة فى تقسيمات كبيرة يتراوح تعدادها بين 50,000 / 60,000 نسمة وهو الحجم المناسب للأحياء التى تضمن لساكنيها الإكتفاء الذاتى فى الخدمات والإدارة والعمل ، وهكذا يصبح الهدف السياسى فى المدينة هو تعاون الجميع فى إستكمال النقص فى النواحى الصحية والثقافية والعمرانية فى الحى بمساعدة الدولة . فيشترك شباب الحى فى نظافته أو فى العمل على محو الأمية بين سكانه أو فى توفير النشاط الرياضى والإجتماعى وتهيئة ظروف العمل للجميع – كما يعمل والمجتمع بعد ذلك على تخفيض تكاليف المعيشة عن طريق اقامة الجمعيات التعاونية أو تجميع صناعات الصيانة والاصلاح فى وحدات أكبر ، وفوق كل ذلك العناية بالشعائر الدينية كأساس للمجتمع الصالح ويصبح المسجد بعد ذلك مركزاً للنشاط الإجتماعى والثقافى للحى.

 ولما كانت صورة التقسيم الطبيعى والإجتماعى للمدينة غير واضحة أو متبلورة كان الإتجاه إلى التقسيم النوعى للفئات العامة فى المجتمع كأساس للتنظيم الشعبى وإعتباره المصنع أو محل العمل خلية ثورية يدور نشاطها حول المصالح والأهداف المشتركة فى العمل الأمر الذى يتعذر معه إيجاد العلاقات الإجتماعية بين أفراد الأسر المختلفة كهدف تدور حوله حياة الفرد والمجموع فى الخلايا السكنية المكونة للمدينة بإعتبار الأسرة نواة فى بناء المجتمع يشترك كل أفرادها فى جميع الخدمات التى يقدمها هذا المجتمع فى الوقت الذى تتعدد فيه أوجه العمل لكل منهم ، لذلك كان التنظيم الإجتماعى والطبيعى عاملاً فعالاً فى التنظيم الشعبى فى المدينة .

وهكذا نجد أن التنظيم الشعبى أو السياسى يجب أن يحدده ويسانده تنظيم إقتصادى إجتماعى مشترك يشمل كل قطاعات الشعب فى إتحاد واحد ويكون المفهوم الجديد للعمل السياسى له هو العمل الإيجابى لبناء الوطن على أسس من الإشتراكية والديمقراطية .

word
pdf